Page 10 - سلسلة العلم والتقانة والابتكار 14 ن
P. 10
اكتشافات علمية واختراعات
دو ارن الأرض حول الشمس
ما يبدو الآن بديهياً وأم اًر مسَّلماً به ،كان دونه حد السيف وأعواد المشانق حتى
منتصف الألفية الماضية؛ إذ كان الناس يؤمنون بالنموذج الكوني الذي قدمه
بطليموس ،الذي قضى بجعل الأرض مرك اًز ساكناً للكون ،تدور في فلكها الشمس
مع بقية الكواكب بمدا ارت دائرية ،في حين تجثم النجوم البعيدة على الغلاف الكروي
للكون .إلا أن القياسات الدقيقة لحركة الكواكب لم تطابق ذلك النموذج ق ّط؛ ما
اضطر الفلكيين إلى تعديل نموذج بطليموس وإضافة مدا ارت أخرى ضمن المدا ارت
الأصلية .ومع مرور الزمن تبين أن النموذج الجديد غير دقيق أيضاً.
تخرج نيكولاس كوبرنيكوس في جامعة بولونيا بإيطاليا عام 1499م وعاد إلى بلده
الأصلي ،بولندا ،وقد ُعرف عنه قياساته وم ارقباته للكواكب والنجوم ،واعتماده الم ارقبة
العلمية كأساس لتطوير نظرية علمية .عمد كوبرنيكوس إلى استغلال التطو ارت
التقنية في القرن السادس عشر لتحسين قياسات بطليموس ،فقضى عشرين عاماً
يعمل على قياس مواقع الكواكب؛ إلا أن اجتهاده ومثابرته لم يوصلاه إلى مبتغاه.
إلا أنه اكتشف خلال هذه المدة الطويلة من الم ارقبة أن الشمس هي الوحيدة التي لم تتباين في حجمها الظاهري على مدار السنة،
ما يدل على ثبات المسافة الفاصلة بينها وبين الأرض بخلاف الكواكب الأخرى.
شرع كوبرنيكوس بالتبديل بين الأرض والشمس في نموذج بطليموس ،وأعاد قياس
حركة الكواكب حول الشمس ،فوجد أنها تتحرك ضمن أفلاك دائرية بسيطة ،وهذا
يعني ثبات موقع الشمس بالنسبة لها .وعلى الرغم من تحققه من صحة ما اكتشفه،
ظل محتفظاً بسرية هذا الاكتشاف خوفاً من العقاب الكنسي ،إلى أن تم الإفشاء به
عام .1543وحتى في ذلك الحين ،كان هذا الاكتشاف مبعثاً لازد ارء وسخرية
الكنيسة والفلكيين والأوساط الجامعية .وانتظر العالم ستين سنة أخرى ليتأكد من
صحة هذا الاكتشاف ،وذلك من خلال أعمال يوهانيس كبلر ومن بعده غاليليو
غاليلي.
لقد كان هذا الاكتشاف بمنزلة نقطة انطلاق لعلم الفلك الحديث ،وبداية معرفة الكون معرفة صحيحة وفق أسس علمية.